الخميس، 25 أبريل 2013

ثروت الخرباوي يكتب: أمين الهنيدي يحكمنا



بقلم : ثروت الخرباوي



قال لي أحد الأصدقاء من كبار أساتذة جامعة القاهرة القصة الآتية والعهدة على الراوي: كنا نطلق على أحد أصدقائنا في كلية الهندسة اسم «عبد المتجلي سليط» نظراً لتشابه صفاته الشكلية والنفسية مع صفات الشخصية المسرحية التي أداها المرحوم أمين الهنيدي في مسرحية «لوكاندة الفردوس»، وقد تميزت شخصية «عبد المتجلي سليط» في المسرحية الشهيرة بالطيبة المفرطة والسذاجة البالغة التي كانت تغرقنا في الضحك خاصة عندما كان يرغب في الظهور بمظهر الأب الحاسم الحازم فيقول لبناته الصغيرات – وقد اصطففن صفاً واحداً – بنااااات… فتقول البنات في صوت واحد… باااااابا… فيرد عليهم بحسم: معتداااااال مارش، وكأنه بهذا الحسم يربي بناته تربية عسكرية صارمة، أما صديقنا الذي أطلقنا عليه «عبد المتجلي سليط» فكان قروياً ساذجاً جاء من عمق الريف ليلتحق بكلية الهندسة عله يحمل في يوم ما الشهادة العليا ويذهب بها لأهله مفتخراً بما حصَّله متفاخراً بما وصل اليه، ولم يكن صديقنا ساذجاً فقط ولكنه كان شديد الطيبة تلمح في ملامحه الوداعة والهدوء، وكانت أقصى أمانيه ان يصبح في قابل الأيام موظفاً في احدى الوزارات وكان يحدوه الأمل ان ينهى حياته الوظيفية بدرجة مدير ادارة «قد الدنيا» وقتئذ كنا نقول له: مدير ادارة مرة واحدة يا عبد المتجلي حنانيك يا رجل، وأذكر كم كنا نتضاحك عليه فيشاركنا في ضحكاتنا بسماحة محببة وبضحكة مميزة اشتهر بها بيننا حيث كانت تملأ أشداقه، ولم نعهد فيه في تلك الأيام التي خلت حقداً أو غلاً بل انه عندما كان يخشوشن علينا بعض الشيء فانه سرعان ما يعود لضحكته المميزة.
ومرت السنوات وتخرجنا من كليتنا وانخرطنا في الحياة بحلوها ومرها، وتشعبت بنا سبل الحياة وغاب معظمنا عن بعض، ثم قامت الثورة وأصبحت الأحوال غير الأحوال، وذات يوم أصبح صديقي «عبد المتجلي سليط» «صاحب سلطة عليا» في البلاد!! حينئذ داعبت ذكريات السنين التي مضت خيالي فافتر ثغري عن ابتسامة متعجبة وكأن لسان حالي يقول: ها هو من كنتم تسخرون منه انظروا قد نال قصب السبق عليكم، وكأن الدنيا لا تبتسم الا لمن هو خالي البال عديم التأثير والقيمة!.
وبعد أيام التقيت بصديق من أصدقائي القدامى فاتفقنا على ان نذهب اليه سوياً نبارك له ونذكره بأيام مضت، وفي اليوم الموعود ذهبنا لزيارة الصديق – بعد ان هاتفه صديقي واتفق معه على الموعد – ونظراً لانشغال صديقنا «عبد المتجلي سليط سابقاً» بمقابلة مع السفيرة الأمريكية فقد انتظرنا قرابة الساعة ثم أذن لنا بالدخول، ولا أخفيكم سراً أنه أحسن استقبالنا وأجلسنا في الصالون المواجه لمكتبه، وكم كان هذا الصالون عظيم الأناقة وقد كسيت الأرض بسجاد شيرازي فاخر، فتعجبت لأن معلوماتي عن الرجل أنه كان متقشفا في حياته.
ولاحظت ان صديقنا «عبد المتجلي سليط» تملكته أثناء مجالستنا نشوة غريبة وكان يتعمد ان يتحدث بالتليفون كي يأمر بفصل أحدهم من عمله أو تقديم آخر للنائب العام!! أما عين عبد المتجلي سليط فقد اعترتها لمعة غريبة تدل على الجشع والنهم وشهوة الايذاء، ونظرت اليه وكأنني لم أعرفه من قبل وكأنه لم يكن هذا الشاب السطحي الوديع.
وبعد ان انتهت جلستنا وهممنا بالانصراف حينئذ اغتصب صديقنا عبد المتجلي سليط ابتسامة باهتة الا أنها كانت مفعمة بكبر وعنجهية ثم قال لنا: أي شيء تريدونه لا تترددوا، كلموني فورا وسيكون في جيوبكم، مصر كلها في جيوبكم، وحين خرجت أدركت ان هذا الرجل لم أكن أعرفه من قبل.

ثروت الخرباوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق